بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
سؤال بريء ..
هل نستطيع أن نعيش بغير الحب ؟!
لا .. بل ما كنا لنتواجد في هذه الحياة ، لولا الحب ..
قد رضعنا في طفولتنا لبن الحب من صدور أمهاتنا ، وعذّيت أمعائنا به ، وفطمنا عليه .. فالحب ليس عاطفة و وجدانا فحسب ، الحب طاقة وإنتاج .. الحب فضيلة الفضائل ، به نعلو ونحلق في سماء الإنسانية ، فالإنسان المحب قلبُـه رحب ، يسع الناس جميعا ولا يضيق بهم .
الحب فطرة ، فنحن حين نريد الحب ، لا يجيء ـ وحين لا نريده ، يجيء .. لأنه أقوى من كل شيء.
الحب إخلاص وصفاء ونقاء ، الحب عهد ورسالة وميثاق ..
الحب من مخلوقات الله عز وجل التي بها تقوم الحياة ، فلولا الحب ، ما دعى داع الى الله ، وما انتشر دين فى هذه الأرض ..
لأننا نحب ، ندعوا الى الخير ، ولأننا نحب ، ننهى عن الشر .
بين كل الناس صلة الحب ، بين الأم وطفلها حب يجعلها تفديه بحياتها ،وبين الرجل وزوجته حب يجعل كل واحد منهما يقدم للآخر أقصى ما يستطيعه ، وبين العبد وربه حب يجعله يأتمر بأمره وينتهي عن نهيه ، ويبكي لذكره ويشتاق للقاءه ويسعى لإرضاءه .
بين الصاحب وصاحبه حب يجمع أرواحهم ويوحد كلمتهم ، وبين الفتاة وصديقتها حب أخويّ نبيل يؤلف قلوبهما فتأنس إحداهما بالأخرى ..
الحب بمعناه الواسع ، ليس حراما بل غراما ، ليس رذيلة بل فضيلة . فاعلمي – رحمني الله وإياك – أن الإسلام لا يطارد المحبين ولا يجفف منابع الود والإشتياق ـ ولكنه – كعادته - يهذب الشيئ المباح حتى لا ينفلت الزمام ويقع المرء في الحرام .
الحب الذي لا مؤاخذة عليه في الإسلام ، هو ذلك الحب الذي يفرض نفسه على الإنسان ، أما أن يسعى الإنسان إلى الحب ، ويقول قررتُ أن أحب ، ولا بد أن أجد محبوبي فذلك ما لا يجيزه شرعنا .. لأن فيه نوعا من التكلف !
أيتها الزهرة الندية :-
إجازة الإسلام لهذا النوع من الحب ، لا يعني أنه فتح للناس - على اختلافهم - أبواب الحب على مصارعها ، ولا يعني أنه رخص لهم ممارسة الهيام وقتما شاءوا مع من أرادوا ..ليس في هذه الإجازة دعوة إلى تطليق الأخلاق وهدم الحصون المحيطة بقلوبنا وليس فيها دعوة إلى إطلاق عنان مشاعرنا .
وإنما يقتصر مفهوم " الإجازة " ها هنا على عدم المؤاخذة . فالإنسان لا يملك قلبه والله لا يؤاخذنا فيما لا نملك . روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين أزواجه فيعدل ويقول "
"اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " قيل : وما لا يمكله صلى الله عليه وسلم هو حبه لبعض نسائه أكثر من غيرهن .
خلاصة القول /
أن الحب ما كان حبا عفيفا عذريا طاهرا ، فرض نفسه علينا دون إرادة منا ، وظل حبا قلبيا لم يصدر فيه كلام أو مقابلة أو رسائل ، فلا بأس فيه . ولا يأثم عليه صاحبه شريطة أن يكتمه ، لأنه شعور عابر وعاصفة هوجاء مصيرها ان تخمد أو تنتهي بالزواج إن كان الطرفان يتبدلان نفس الشعور ، والجامع بينهما هو الله .. أعود فأقول : حب عفيف .
قد يحب رجل امرأة وتحب امرأة رجلا ، دون أن يتعرض أحدهما للآخر بسوء ، فيمر زمن على زمن فينسى حبه الأول ويحب حبا آخرا عفيفا يظل محبوسا في قلبه - ما لم يتيسر له الزواج - هكذا قلب الإنسان ، وهل سمي القلب قلبا إلا لكثرة تقلبه ؟!
أيتها المؤمنة القانتة :-
إن هذا النوع من الحب الذي نحك عنه الآن هو ميلان قلبي أودعه الله في النفوس ، وبرغم جياشته وقوة اختراقه لقلوبنا إلا أنه يظل في الأصل حبا ضعيفا ، لأنه وليد إعجاب بجمال ، أو بشيمة من الشيم ، أو طبع من الطبائع ..
فإذا تعرض هذا الوسيم لحادث شوه جماله ، زال حبنا له . وإذا رأينا منه أخلاقا نبغضها ، زال حبنا له .
وإذا رأينا من هو أجمل منه حسنا وأعز منه خلقا ، تضاءل حبنا له .
إننه ببساطة ، حب وليده الإعجاب . فهو حب عذري ولكنه غير أصيل وفي نفس الوقت خطير ، وخطورته تكون أشد ما تكون في فترة المراهقة والشباب ـ حيث العاطفة القوية تطغى على العقل ، فإذا ضعف العقل أمام العاطفة صار ذلك الحب بلاءا نتربص به أن يهلك صاحبه والعياذ بالله . وما خضع امرؤ لعاطفته إلا وتجرع من الذل والهوان ما لم يكن ينتظره من عدوه !!
فهو كمن يريد أن يمسك طائرا ليس من نصيبه ، أه كم سيغتم ، وكم سيُحرق من سعيرة حرارية في التفكير فيما طويت صحيفته وقضي أمره من قبل أن يكون له وجود على هذه الأرض .. ونظل نتساءل "ما مكانتي عنده ؟ " هل يحبني أم لا ؟ " ونعلق آمالا وأمال ..
ونتجنب كل فكرة تقول بعدم حبه لنا ، ونظل نهرب من الواقع والواقعُ ما فـتئ يطاردنا ـ وفي النهاية ، لا بد من صدمة حتى نستفيق ولا بد من إدراك الحقيقة والخضوع لها ، ترين معي أيتها الحبيبة كم في هذا الطريق من عذاب ؟
يقول الله عز وجل : ((ولا تدع مع الله إلـها آخرا فتكون من المعذبين)) .صدقّ الله العظيمّ
قد حرم الله عز وجل على عباده جميعا أن يتعلقوا بغيره ، أو يدعو سواه ، أو يُعلّقوا آمالهم على غير الله . لماذا ؟! حتى لا يتضايقوا إذا لم يجدوا من هذا الذي أحبوه ما كانوا يأملون ، فتصيــبهم الخيبة ! يريد أن يحفظ مشاعرنا من أن تنجرح ويحفظ قلوبنا " ولا تدع مع الله إلـها آخرا فتكون من المعذبين " ما أدقّ وصف الله إذ قال عذاب ..
إذا حبيبتي ، فالإسلام يكره الوقوع في مثل هذا الحب ، لأنه يبدأ ببراءة وينتهي بعذاب . نعم لا إثم على من وقع فيه ولكن كان أحرى به أن ينوء بنفسه عن مثل هذا . كيف ؟! سأخبرك عزيزتي وقولي بعدها : ما أعظم الإسلام إذ ما ترك داءا إلا وأتى له بالدواء .
أولا :
أمرنا الله عز وجل " نساءا ورجالا " بغض البصر ، فلا يجوز أن ندقق النظر إلا فيمن هم من محارمنا " أخ وأخت ، أب وأم ، جدة وجدة ، خال وعم ..فالنفس مفطورة على حب الجمال ، وكم من حب نهايته عذاب وبدايته نظرة حرام .
ثانيا :
نهانا الله عز وجل عن مخالطة الشباب فلا يجوز أن نضاحكهم " فيطمع فينا من في قلبه مرض " ، ولا يجوز أن نخضع لهم بالقول ولا يجوز أن نحدثهم إلا في أمور مشروعة وللضرورة .
قد يقول قائل : هذا تشدد ، وفيه تضييق على الناس !
ولكنا نقول : إن الله هو خالق هذه النفوس وهو الأعلم بالأليق بها . فحين أمرنا الله عز وجل بغض البصر وحجر عنا مخالطة الشباب وأمرنا بالإحتشام وفرض علينا الحجاب ، فلكي يحفظ مشاعرنا من أن تميل الى فلان أو علان فتغدو في عذاب .
إنها نقطة الضعف التي تهيمن على هذه المشاعر وهي أنها سريعة الميل لما يعجبها . إن المشاعر ليست عاقلة فتميز بين ماهو صالح وماهو طالح ، وليست لها قدرة على الإختيار فتختار أتحب أحمد أم محمد . فتأملي قول الله عز وجل " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين اتبعوا الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما . يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا "
إذا ،، ففي هذا التكليف نوع من التخفيف ..
يقول علمائنا : الأصل في الأشياء الإباحة ! وهناك استثناءات هي حرام . ما حرمها الله عز وجل إلا لضررها وقلة نفعها . سبحانك يا رب ما أعظمك ، ما أكرمك وما أرحمك ..
يسأل سائل .. ذاك حب عفيف ولكنه مدمر وغير أصيل ، فأين هو الحب الحقيقي الأصيــل ؟!
أقول قول ربي عز وجل " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"
المودة والرحمة ، درجة سامية في سلم الحب ، وتقول الدراسات " إن الزواجات الناجحة هي تلك التي تتم بطريقة تقليدية:
" أي أن الزوجين لا يعرفان بعضهما من قبل وإنما ساقهما القدر لبعض" .
فمع الأيام يكتشف كل طرف مزايا الطرف الآخر فتحركه عاطفة اتجاهه فيبدأ في حبه ، ولا يزال مع الأيام يكتشف والحب ينمو وينمو ولا يذبل ..
إنه الحب الصادق الذي لا يمكن أن نخفيه ، حب قائم على أخذ وعطاء ، حب قائم على وعي ، حب لنا هدف من وراءه ، حب ننال به أجرا ، إنه الحب الوحيد الذي لم يبنى على لحظة إعجاب عابرة ، فهو حب دقيق ..
إنه الحب الذي يجعلني أنظر لزوجي بعين الرضا عن كل عيوبه وأسعى به لإكمال نقائصه ..
إنه الحب الذي يجعل الزوج وهو يرى زوجته - ولو كانت قليلة الجمال - ملاكا يمشي على الأرض .
الحب قبل الزواج:
لا نتحكم فيه ، يأتي ويزول ، لحظات عابرة تنتهي بانتهاء مفعول الإعجاب ، مشاعر طائشة قد تغبنا وقد نغلبها ، حب مبني على أسس مادية بحتة
الحب بعد الزواج :
نحنمن نصنعه ، ينحدر منا ويعود إلينا ، حب مرتبط بالجوهر لا بالمظهر ، حب قام على أسس صحيحة ، حب تعدى الجمال والكمال إلى حسن المعاشرة .
قد تكونين في شارع ما تتجولين ، يمر عليك صدفة شاب آية في الجمال ، ما إن يبتسم لك إلا و وقعت في حبه ! تسألين عنه أمه أو أخته .. فتذكر لك جملة من عيوبه ـ الأم تشتكي من عقوقه والاخت تشتكي من ظلمه
أخبريني بربك / أيبقى في قلبك شيء اتجاهه ؟!!إذا فاعلمي أن الحب الأول دائما يكون أعمى .
ولا أريد أن أطيل اكثر في هذا الموضوع ، فقد تناولته معك مفصّلا ..
::- واستنتاجنا العام ::-
الحب حبان ، حب نقصد به التعمير ، وحب نقصد به التدمير .
الحب الذي نقصد به التعمير ينقسم لقسمان :
حب أصيل / يكون فقط بين الزوج وزوجته .
حب فطري / كالذي بيني وبينك ، وبينك وبين أمك .
وكلا هما ضروري لاستمرار هذه الحياة ، وفي كل منهما جزاء عند الله المنان .
الحب الذي نقصد به التدمير ، هو حب المراهقة أو حب الشباب ، لأنه حب مصيره مجهول ومستقبله غير معلوم .
هو نوع من العبث تتسلى به الأنفس لسد فراغ ما ، بدليل أننا لا نشعر بقوته إلا في تلك اللحظات التي نحس فيها بنقص ، أو فشل .. أو نوع من الحرمان .
وقرار إنهائه ،، بيد صاحبه .. وبالطريقة التي بدأ بها ، عليه ان ينتهي . فإن كان غرني منه حسنه فيكفي أن أستعرض جملة من عيوبه وأدقق فيها النظر ليتلاشى ذلك الإعجاب .
حبيبتاه ..
خذي لكِ ورقة وقلما ، قومي بوضع خط في منتصف تلك الورقة . اكتبي على يمين الخط محاسنه ، وعلى شمال الخط ما يقابل كل واحدة منها .
مثلا
جميل ---------------- مغرور بجماله فلا يضع اعتبارا لمن حوله
مثقف ومتعلم ------------ لا دين ولا خلق له ، فهو يقوم بكذا وكذا ..
الخطوة الثانية : قومي بشطب كل تلك المحاسن التي كانت تجذبك إليه ،" وأعيدي قراءة عيوبه التي سبق وأن صرفت النظر عنها ، فالإنسان حين يحب ـ لا يرى في محبوبه إلا المحاسن ولذلك قيل الحب أعمى ولكني في لحظة غضب عليه قد أكتب عشرات العيوب "
الخطوة الثالثة : قومي بتمزيق الورقة ، قطعيها إربا إربا وأنت تشعرين بأنك تقطعين معها الحبل الذي وثلك به ، وألقيها في سلة المهملات وأنت تشعرين بأنك قد ألقيت مشاعرك كلها معها .
وبعد :
فاعلمي حبيبتي :
أن مقياس جمال المرأة وقدرها ليس في عدد المعجبين لها ولا في عدد الراغبين بالتقدم لخطبتها ، فالجميلة جميلة وإن لم يصرح لها أحد بذلك ،، ورجولة الرجل ليست في مصاحبته لفتاة وليست في أسر مشاعرها كما قد يظن الشباب . فالفتاة الحرة لا يمكن إصطيادها مهما بلغ الصائد من الحسن والجمال لأنها ليست ضعيفة فتخضع لمشاعرها وليست حمقاء فتعزل عقلها وليست مهزوزة الثقة بالنفس فتحتاج إلى من يرد لها ثقتها واعتبارها بكلمة " أحبك
ولهذا ، أطالبك عزيزتي بأن تنهضي من كبوتك وأن تمسكي مقود السفينة وتغيري إتجاهها بدل أن تجلسي في مؤخرتها تتفرجين على المصائب وهي تتلاحق ليكون منائك ، مناء الأمن والأمان .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
قفي ،، واسألي نفسك..
من أنا؟
من أكون ولمن نسبي؟
لمن حبي؟
لمن ولائي؟ولمن عملي؟
ـــــــــــــــــــــــــ